ب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وبعد..
فهذا اقتباس من كتاب أو مذكرة، وقد وقفت على المادة أثناء البحث في مضمون الموضوع، فأحببت إدراجه هنا للإفادة لما وجدته فيه من الفائدة. والله تعالى الموفِّق والمستعان.
جاء في الكتاب :
(تعتمد جودة صناعة الكتاب على عوامل عدة ، منها : الأوضاع الاقتصادية السائدة وقت الطباعة ، وتكاليف الورق وقدرات المؤلفين والناشرين على تحمل تكاليف الورق والطباعة الجيدة ؛ إلى جانب مهارة الطابع في ضبط جودة الإنتاج . كما تعتمد سلامة الكتاب على نوع الورق القوي والسميك والتجليد المتين ، ثم على بيئة الحفظ والتخزين ؛ فالورق الرديء والحفظ في الأجواء الحارة يؤديان إلى تلف الكتب وتقصف أوراقها بسهولة بعد مضي عشرات السنين على نشرها، خصوصًا إذا كانت مجلوبة من أجواء حارة في بعض مناطق آسيا والشرق الأوسط أو أفريقيا .
ويمكن القول بالإجمال إن معظم الكتب العربية القديمة ليست في حالة مادية جيدة حتى إنها لا تصلح للتداول والاستخدام في الوقت الراهن بعد مضي قرن أو أكثر عليها ، وهذا يعني أن الكتاب العربي سريع التلف ، ولا يستطيع البقاء والحفاظ على التراث الفكري العربي لعدة قرون إلا بإعادة الطباعة ، باستثناء الطبعات الأوربية والطبعات الكتانية أو الطبعات ذات الورق المتين الصادرة في الدول العربية مما جرى الحديث عن بعضه في هذا الكتاب .
وقد اعتاد باعة النوادر وجمَّاعو الكتب تصنيف مستوى جودة الكتب النادرة وحالتها المادية في درجات متفاوتة ، منها درجة (ممتاز) وتعني النسخة النظيفة جدًا للكتاب القديم الذي لم يستخدم ولم تتداوله الأيدي ، فظل محفوظًا كاملاً لدى مالكه الأول في مكان مأمون من الغبار والرطوبة والحرارة والبكتريا . وغيرها من المؤثرات الطبيعية . والكتاب الكامل يعني غير المنقوص البتة بما يشمل أجزاءه وملاحقه أو مرفقاته الحرة من الصور والخرائط ونحوها كما يشمل ذلك سترة الكتاب التي تغلف الكتب المجلدة . ومستوى (جيد جدًا) وهي النسخة القريبة من الممتاز ماعدا بعض آثار طول الزمن وقليل من الاستخدام ، لكنها سليمة من الغلاف إلى الغلاف. أما النسخة (الجيدة) فهي التي يظهر عليها أثر الاستخدام لكنها غير معطوبة . أما النسخة (العادية) فهي التي يظهر عليها أثر الاستخدام الشديد وربما يكون غلافها وبعض أوراقها مخرومة الأطراف لكن متن الكتاب سليم . وما دون ذلك فيشمل النسخ المخرومة أو المعطوبة بشكل مخل ، حيث يصبح الكتاب غير جدير بالاقتناء إلا بعد المعالجة والترميم ، إذا كان من الكتب النفيسة .
ويُعطي بعض المعنيين بالنوادر أهمية خاصة للكتب القديمة التي لم تقص حوافها فبقيت أوراقها مشبوكة ، كما هي في أصل ملازم الكتاب، وذلك للدلالة على أن الكتاب لم يستعمل من قبل.
ويصف الموزعون وتجار النوادر في أوربا حالة الكتاب المادية وخصائصه الشكلية بما فيه من مميزات وعيوب ضمن الفهارس والنشرات التي توزع على المكتبات فتدرج البيانات الوصفية للكتاب بشكل مفصل بما في ذلك رقم الطبعة ومكانها ، وتاريخها ، وعدد الصفحات ، وأجزاء الكتاب وحجمه ، وسعره ؛ هذا إلى جانب وصف حالة الكتاب الشكلية من تجليد وتذهيب ونوع الجلد وهل هو قديم أم حديث ؟ وحالة التذهيب والتزويقات وموقعها على الكتاب ، سواء كان ذلك محفورًا على وجه الغلاف أو على كعبه أو على حوافه ، أو على الحافة العليا فقط . كما يشمل ذلك وصف ترميم الكتاب وموقعه - إن وجد في الكتاب .
ويشمل عروض بيع النوادر وصف ما في داخل الكتاب من زخرفة وجداول وصور وخرائط وملاحق وألواح مخصصة للرسومات ونحوها، سواء كانت ملونة أم لا مع وصف وذكر عدد الملحقات من الخرائط ونحوها والتي قد تكون في مقاس أكبر ، سواء كانت ضمن متن الكتاب أو في جيب داخل الغلاف الأخير .
ويُضاف إلى ذلك نوع تجليد الكتب القديمة وأهميته في ندرتها والمحافظة عليها سنوات كثيرة إذا كان التجليد مُتزامنًا مع صدور الكتب، خصوصًا التجليد باستخدام الجلود الحيوانية والرقوق التي تفضل أنواع التجليد الأخرى التي تستخدم فيها القماش بأنواعه أو الألياف الصناعية والبلاستيك والورق العادي لكسوة الكتاب .
وبالنظر إلى الحالة المادية للكتب النادرة وتقييم الورق المُستخدم في الطباعة ، نجد أن نوعية الورق المتين تصمد أمام عوادي الزمن ؛ فالمطبوعات الأوربية ظلت أكثر متانة رغم أسبقيتها في زمن الطباعة . أما في المطابع العربية الأخرى فإن مطبعة بولاق تستخدم في الغالب الورق الكتاني . ومطبعة الجوائب تستخدم نوعاً جيداً من الورق وكذلك بعض المطابع السورية واللبنانية المُبكرة ، وكلها تفوق الورق المستخدم في المطبوعات التي أصدرتها المطبعة الميرية في مكة المكرمة التي تُشابه مطبوعاتها الكتب الهندية أو بعض مطبوعات المطبعة الأزهرية التي يستخدم فيها الورق الأصفر الهزيل والتجليد الورقي أو القماش الخفيف . ولهذا قلما توافرت المطبوعات الممتازة أو المُتماسكة من إصدارات المطبعة الميرية في مكة بخلاف مطبوعات بولاق والجوائب اللتين تسبقان الميرية في بداية الطباعة . ويمكن ملاحظة ذلك في معظم مطبوعات بولاق ومطبعة الجوائب التي أسست في القسطنطينية سنة 1277هـ ، فنشرت الكثير من المؤلفات باستخدام ورق قوي وإخراج جميل كما يظهر ذلك في كتاب (درة الغواص في أوهام الخواص) لأبي محمد القاسم بن علي الحريري ، وشرحه لأحمد شهاب الدين الخفاجي ، صدر في جزءين سنة 1299هـ ، وكذلك كتاب آخر فيه عدة عناوين ، أولها (قصيدة لامية العرب للشنفرى ويليه أعجب العجب في شرح لامية العرب لمحمود بن عمر الزمخشري ت 538هـ ومجموعة كتب أخرى) صدرت طبعته الأولى بمطبعة الجوائب سنة 1300هـ ، في 403 صفحات . أو كتاب (مطمح الأنفس ومسرح التأنس في ملح أهل الأندلس للفتح بن خاقان) نشر عام 1302هـ ، في 104ص . وقد اشتمل على مناقب ملوك الإسلام الأقدمين في الأندلس ووزرائهم وما اشتهروا به من البراعة والبلاغة في النثر والنظم . وقد أخرج الكتاب بشكل جيد من حيث حسن الخط وتنويع أبناط الطباعة في العنونة والتبويب واستخدام الأطر والفواصل النجمية في ثنايا النصوص والقصائد . وفي نهاية الكتاب سرد بأسماء الكتب التي طبعتها الجوائب ومعظمها في فنون الآداب والتاريخ مثل (مجموعة خمس رسائل في الإيجاز والاعجاز ، 1301هـ ، 272ص) منها (برد الأكباد في الأعداد للثعالبي) .
ومن أفضل مطبوعات الجوائب كتاب (مصارع العشاق ، تأليف أبي محمد جعفر بن أحمد السراج) الذي صـدر عام 1301هـ ، في (432) صفحة في طبعة ممتازة مزوقة بفواصل شجرية بين أجزاء الكتاب ، ويبدأ كل جزء بالبسملة ، مع تكرار اسم المؤلف والعنوان ، وذكر أبيات من الشعر حول الموضوع ، وقد تم تزيين النصوص والقصائد بفواصل نجمية. والكتاب في مُجلد واحد بجلده الأصلي باللون المجزع ، وكعبه بالجلد الأحمر . وقد درس تاريخ مطبعة الجوائب وحصر بعض مطبوعاتها حمد بن عبدالله العنقري ، ونقل ثناء بعض المؤرخين على مطبوعاتها مثل قول محمد كرد علي : "وما برحت مطبوعات الجوائب إلى اليوم يتنافس فيها المُتنافسون ويدخرها غلاة الكتب ، لينتفع بها الأحفاد والبنون على مر الدهور والقرون" ([1]) .
والعيوب التي تصيب الكتب القديمة كثيرة ، بعضها يرجع إلى نوع الورق المستخدم ؛ فالكتب القديمة الصادرة قبل 1850م تمتاز بجودة الورق وقدرتها على تحمل مرور الزمن مثل المخطوطات القديمة التي تستخدم الورق العربي والورق النسيجي . أما بعد ذلك فقد بدأ صانعو الورق يستخدمون لحاء الشجر ، وأدخلوا عليه مادة كيميائية هي غراء كبريتات الألمنيوم لجعل سطح الورق أملس قابلاً للطباعة السريعة ، وحيث إن هذه المادة الحمضية تتفاعل مع ألياف السيلولوز ، وهي المادة الأساسية لصناعة الورق فإن الورق مع مرور الزمن يتحلل ويصبح هشًا وقابلاً للتفتت بسرعة . وقد أصبحت هذه المشكلة من الكوارث الخطيرة على الكتب ، مما جعل الدول الغربية تسعى إلى حل هذه المشكلة باستخدام أساليب كيميائية مختلفة كما يقول (حمودة) ([2]) .
ومن جهة أخرى قامت المكتبات الكبرى والهيئات المتخصصة في المكتبات والتوثيق والمنظمات الدولية بجهود مكثفة لإصدار مواصفات وطنية ودولية للورق المستخدم في طباعة الكتب والوثائق الدائمة الحفظ، مع حث الحكومات والناشرين على استخدام (الورق المستديم) وهو ورق قطني بالكامل خال من الحمض حسب المواصفات الأمريكية والدولية من حيث نسبة الحمض ودرجة تحمل الضغط والعمر الزمني المفترض الذي ينبغي أن لا يقل عن ثلاث مئة عام تحت ظروف الحفظ العادية . ومنذ عام 1992م ، بدأ تطبيق المواصفة على الكتب الصادرة بالولايات المتحدة ، حيث تطبع بعض النسخ المجلدة على ورق مستديم، وتظهر بيانات وصف مادة الورق خلف صفحة العنوان مع رمز الديمومة . ولم يتم استخدام مواصفات الورق المستديم في طباعة الكتب الصادرة في البلاد العربية ، حيث لم أر كتابًا عربيًا عليه ما يشير إلى استخدام هذا النوع من الورق . ولعل السبب في ذلك يعود إلى ارتفاع سعر الورق المستديم مقارنة بالورق العادي . أما الطبعات الخاصة من الكتب العربية الصادرة في أوربا ، فهي غالبًا تستخدم الورق المستديم من القطن الخالص وبدرجات مُتفاوتة من نسب الحموضة التي يجب أن تكون دون 9.5% على أعلى تقدير ([3]) .
أما العيوب التي تتعرض لها الكتب النادرة بسبب الاستعمال وسوء الحفظ فهي كثيرة ؛ منها أن تكون مخرومة أو ممزقة الأوراق والغلاف أو مصابة بعثة أو رطوبة أو حرارة شديدة أو أن يكون عليها كتابات غير ذات معنى بخلاف التعليقات المنسوبة .
ومما يقلل من قيمة الكتب النادرة وجود أختام حبرية ومحاولة طمسها أو اسم المالك الأول القريب بخلاف التمليكات المتوارثة . وتتم إزالة الأختام بطرق عدة ، منها : قص الجزء المختوم من الورقة إذا كان قريبًا من الطرف ، أو طمس الختم بالسوائل الطامسة، أو استخدام منظفات كيميائية ، أو إلصاق ورقة صغيرة بحجم الختم القديم وتغطيته .
كما يقلل من قيمة الكتاب النادر ما يعتريه من خلل في التجليد ، ومحاولة ترميمه بطريق خاطئة ، مثل استخدام الملصقات الشفافة في إصلاح الأوراق ؛
هذا إلى جانب ما يعلق بالكتاب من أوساخ وبقع ،
أو أن يكون غلافه الأصلي مفقودًا أو بعض أوراقه مفقودة ، حيث يتم استكمالها عن طرق التصوير من كتاب مماثل .
وإذا تعرض الكتاب النادر للإصلاح بالترميم فينبغي أن يكون الترميم دقيقًا ومتقنًا ؛ فالترميم السيء قد يضاعف عيوب الكتاب عندما يصل إلى الأجزاء السليمة من الورق والنصوص فيفسدها .
كما أن من العيوب الأساسية التي يجب الحذر منها التزييف المتعمد أو غير المتعمد باستخدام التصوير على أوراق قديمة أو مُعتقة ، كما يفعل بعض تجار الكتب القديمة حينما يعرضون الكتب والمجلات الكاملة المصورة على ورق مُصنع حديثًا يشبه الورق القديم فيظن من يراها بأنها مطبوعات قديمة أو أصلية .
ويتفاوت خطر العيوب التي تصيب النوادر؛ إلا أن هذه العيوب قد تكون أشد تأثيرًا على قيمة الكتاب إذا أصابت النصوص وما يميز الكتاب مثل صفحة العنوان والصفحات الأخيرة ومتن الكتاب ، كما يؤثر على قيمة الكتاب نقص بعض أجزائه وأهمها الجزء الأول الذي تظهر عليه بيانات الكتاب كاملة . وعند الشك في سلامة الكتاب وتكامله خصوصًا إذا كان السقط من الآخر ولم يمكن تمييزه بالخاتمة نهاية المتن فيمكن مراجعة بعض المصادر الببليوجرافية التي حصرت الكتب النادرة مع فهرسة جيدة للتأكد من عدد صفحات الكتاب ومقاسات حجمه إن وجدت.
وقد يصحب بعض الكتب النادرة ملاحق محفوظة في جيوب ملصقة داخل الغلاف الأخير أو الجلدة الأخيرة ، مثل الخرائط والجداول والإيضاحات التي أعدها المؤلف ؛ ولهذا ينبغي التأكد من اكتمالها عن طريق مراجعة الفهارس أو الإحالات داخل الكتاب ، فقد اعتاد بعض بائعي الكتب النادرة فصل الملاحق ، مثل الخرائط الأصلية الملونة للجزيرة العربية أو صور المدن والشخصيات التي قد توجد في كتب الرحالة والمستشرقين ، تم بيعها بشكل مستقل وبأسعار مرتفعة إذا كانت منشورة قديمًا . كما قد تبتر بعض الصور الفوتوغرافية المُبكرة إذا كانت على ورق مستقل في ثنايا الكتب القديمة ، وقد تعرض للبيع على أنها صور أصلية مستقلة . وهذا من العيوب التي تتعرض لها الكتب النادرة خصوصًا إذا كان يصعب اكتشاف ذلك من مراجعة تسلسل الصفحات ، وفي الكتب القديمة التي تكمن أهميتها بما فيها من إيضاحات أو صور فوتوغرافية مُبكرة أو ليس لها نظائر في مصادر أخرى .) انتهى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق