10 - التنوين مع الحركة – أي الحركة المكررة – إما أن يأتي متراكبا أي حركة فوق الأخرى بشكل رأسي، وإما أن يأتي متتابعا أي الحركة الثانية منحرفة عن الأولى متأخرة عنها كأنها تتبعها، أما التراكب فهو يأتي لو كان بعد التنوين حرف حروف الحلق الستة مع الخلاف في الغين والخاء حيث قرأ أبو جعفر بالإخفاء عندهما، وأما التتابع فيأتي لو كان بعد التنوين غير حروف الحلق، وواضح هنا قصد موافقة الخط للفظ، حيث لما بعد مخرج حروف الحلق عن مخرج التنوين فقد تباعدت الحركة عن الحرف التالي للتنوين فجاءت راسية فوق حركتها لا شأن لها بحرف الحلق، ولما قرب مخرج غير حروف الحلق من مخرج التنوين انسحبت الحركة لتقترب من الحرف فجاءت متتابعة مع أختها غير مستقرة عليها رأسيا ضرورة الاقتراب من الحرف.
ولكن لو كان ما سوى الحلقي ساكنا نحو قوله تعالى (محظورا * انظر كيف) فليس للمتقدمين فيه كلام، والمحققون من المتأخرين جعلوها متراكبة، قياسا على ما تحرك بنقل الحركة، فالتنوين متحصن بالحركة التي تبعده عما بعده، والدلالة على البعد إنما تحصل بالتركيب، ويستثنى من ذلك قوله تعالى (عادا الأولى) فجعلوا فيها الإتباع لأنه لم يتحرك فيها التنوين وجاء مدغما فلم يتحصن كسابقه.
11 - يؤثر التنوين في بعض الحروف بعده بالإدغام التام وذلك لو كانت اللام والميم والنون والراء وهي المجموعة في قوله (لم نر) وفي هذه الحال نرسم الشدة على الحرف التالي للتنوين، ولا نرسمه على ما سواه أي الحروف التي تظهر أو تخفى أو حرف الإقلاب وهو الباء أو حروف الإدغام الناقص وهي الياء والواو، فتتعرى كلها من رسمة الشدة وتبقى الحركة الخاصة بها.
والنحاة يخالفون النقاط في الواو والياء فيرون أنه لا فرق بين الإدغام والإخفاء إلا فقط وضع علامة الشدة، فمذهبهم يستلزم وضع الشدة على المدغم والمخفي على السواء، ولكن النقاط يرون أن المساواة في وضع الشدة يلبس بين الإدغام الكامل والإدغام الناقص، فيظن أن إدغامهما – أي الواو والياء – كامل، أما لو لم توضع الشدة كما هو فعل نقاط المصاحف فأقصى ما يمكن أن يظن هو أن الياء والواو حكهما الإخفاء كحروف الإخفاء وليس الإدغام الناقص كما هو حكمهما الصحيح، ولكن يمكن اجتنابه بشهرة حروف الإخفاء وحروف الإدغام الناقص لمن يدرسون التجويد ويتلقون القراءة الصحيحة من أفواه المشايخ مع معرفتهم بالتجويد النظري. ولأجل الالتباس الواقع قطعا من مذهب النحاة فقد اقتصر الداني في المحكم على مذهب النقاط ولم يعرج على مذهب النحاة.
أقول – محمد يوسف رشيد - : يغلب على الظن أن هذا ليس من الخلاف الحقيقي، وإلا – أي لو كان خلافا حقيقيا - فيرد قول النحاة لو كانوا يقصدون به التدخل في ذات ضبط المصحف، لأن الالتباس الواقع بين الإدغام الكامل والناقص هم لم يتناولوه في كلامهم، ولأجل أنه صنعة كتاب المصاحف وأهل الإقراء فقد راعوه في مذهبهم، ولا شك هنا من تقديم مذهب نقاط المصاحف لتناولهم ما يجب تناوله وهو صحة النطق من المصحف، وأنه لو قدم مذهب النحاة لفسد النطق الصحيح بالتمييز بين الإدغام الكامل والناقص. إلا أن الذي يغلب على الظن هو أنهم لا يتدخلون بكلامهم في نقط المصحف، وإنما الخلاف في الاستعمال الاصطلاحي في تشديد هذه الحروف جميعا أي حروف (لم تر) و الواو والياء، وهذا لا نختلف فيه جميعا من الناحية التلفظية، لذا لا خلاف حقيقي. والله تعالى أعلم.
12 - في رسم حكم إقلاب التنوين إلى الميم الساكنة مذهبان: الأول هو رسم التنوين على حاله والثاني هو قلبه ميما في الرسم ليوافق الميم في النطق، وقد ذكر أبو داوود المذهبين واختار الثاني، وكذا الداني في كتابه النقط. ويسمى هذا المذهب بـ (التعويض) وهو الجاري في نقط المصاحف.
13 - النون الساكنة التي تظهر بعد حرف من حروف الحلق ترسم فوقها علامة السكون لبعد النون عن مخارج الحلق، فيقرعها اللسان مظهرة واضحة، فتكون علامة السكون في النون الساكنة بمثابة تركيب الحركتين في التنوين. أما غيرها مما له حكم الإخفاء أو الإدغام أو الإقلاب حيث لا يقرعها اللسان فلا ترسم علامة السكون، وبذلك يكون النقط موافقا للفظ. وبذا تكون تعرية النون بمثابة تتابع الحركتين في التنوين.
14 - النون الساكنة التي تليها الباء فتقلب ميما اختلف أبو داوود والداني فيها، أتترك معراة أم تسم فوقها الميم الصغيرة؟ فاختار أبو داوود أن ترسم الميم الصغيرة، واختار الداني تركها معراة، هذا ما استحسانه لوضع الميم وعدم ممانعته.
15 - تؤثر النون الساكنة في بعض الحروف بعده بالإدغام التام وذلك لو كانت اللام والميم والنون والراء وهي المجموعة في قوله (لم نر) وفي هذه الحال نرسم الشدة على الحرف التالي للنون الساكنة، ولا نرسمه على ما سواها أي الحروف التي تظهر أو تخفى أو حرف الإقلاب وهو الباء أو حروف الإدغام الناقص وهي الياء والواو، فتتعرى كلها من رسمة الشدة وتبقى الحركة الخاصة بها.
16 - إذا ما كان بعد النون الساكنة واو أو ياء فيكون الإدغام ناقصا، ويكون لرسم الضبط هنا وجهان:
الأول هو وضع السكون على النون و وضع الشدة على الواو أو الياء، وهو اختيار الداني وأبي داوود. ووجهه أن النون لما بقي صوتها أشبهت المظهرة فوضع السكون عليها، ولما لم تقرع فذهب لفظها فقد اشبهت المدغمة إدغاما خالصا فشدد ما بعدها.
والثاني هو تعرية النون من السكون وتعرية الواو أو الياء من الشدة مع إثبات حركة الواو أو الياء. ووجهه أن النون لما ذهب لفظها جعلنا التعرية دالة على ذلك، ولما لم تدغم إدغاما خالصا فيما بعدها جعلنا تعرية ما بعدها دالة على ذلك. وهذا القول يؤدي إلى الالتباس بالإخفاء إلا أن يقال إن معرفة حروف الإخفاء في التجويد تزيل هذا الالتباس، تماما كما قلناه في التنوين.
أقول - محمد يوسف رشيد - : ومصاحف المشارقة تكتب بالوجه الثاني وأما الوجه الأول الذي قال به الداني وأبو داوود فهو المستعمل في مصاحف المغاربة، ولذلك نجد في المصحف الذي كتبه الخطاط السوري أحمد الباري والذي عدلته وطبعته دار الفكر الدمشقية ليوافق الرواية التي يقرأ بها ورش، أن مشرف اللجنة قد قال في التعريف بالمصحف في باب الضبط : ( مع مراعاة ما جرى به العمل عند المغاربة ) مع اعتمادهم في الضبط على تقرر في الطراز في شرح ضبط الخراز للإمام التنسي.
ومما يؤخذ على اللجنة التي أشرفت على طباعة مصحف مجمع الملك فهد أنهم ذكروا – كغيرهم – اعتمادهم على الطراز للإمام التنسي، ولكنهم لم ينبهوا على أنهم قد راعوا ما جرى به العمل عند المشارقة؛ فهذا قد يوهم اعتماد كل ما ذكره الإمام التنسي ترجيحا، والصحيح أن ما جرى به العمل لدى المشارقة يفارق ما يرجح أو يمال لترجيحه في الطراز.
ومما يثبت ضرورة أهمية علم الضبط وتعميمه في الناس أنه ربما يؤدي الجهل به إلى الارتباك وظن ما ليس من باب اختلاف القراءات أنه من اختلاف القراءات، فمصاحف المغاربة أغلبها برواية ورش عن نافع، ومصاحف المشارقة أغلبها برواية حفص عن عاصم، والعمل لدى المغاربة على رسم السكون والشدة كما عرفنا والعمل لدى المشارقة على حذفهما كما عرفنا كذلك، فتأتي المصاحف برواية ورش بالسكون والتنوين وتأتي المصاحف برواية حفص بدونهما فيظن الشخص أنه من باب اختلاف القراءات ويذهب يحاول أن يجد لكل رسم منهما نطقا مختلفا عن الآخر! في حين أن النطق واحد وإنما هو اختلاف رسم الضبط لهذا النطق الواحد وأنه لا علاقة بين هذا الرسم وبين اختلاف القراءات التي تختلف فعليا باختلاف الأقطار.
17 - الخليل بن أحمد وضع علامة للإشمام والاختلاس هي النقطة المشهورة في المصحف المكتوب على الرواية التي يقرأ بها ورش عن نافع، وهي علامة من وضع الخليل وليست إحداثا لقول ثالث من قبل المتأخرين كما ظنه البعض. فهي علامة قديمة أصلية. وهيئتها نقطة كنقط الإعجام في الصورة لا في اللون، فتكتب فوق الحرف في حال الفتح وتكتب تحت الحرف في حال الكسر.
18 - يظهر أن أبا داوود يخالف شيخه الداني في وضع حركة الإشمام والاختلاس التي هي النقطة، فيظهر أن أبا داوود يمنع من وضعها وأن أن أبا عمرو الداني يقول بوضعها. وحجة أبي داوود في هذا أن الغاية من الضبط هي أن يقرأ قارئ القرآن قراءة صحيحة، ولما كان الإشمام والاختلاس لا يعرفان إلا من سماع المشايخ فلن تتحقق الغاية من وضع الضبط هنا، لأنه لن يؤدي إلى أن ينطق القارئ نطقا صحيحا.
وذهب بعض المحققين إلى أنه لا تعارض بين كلام أبي داوود وشيخه أبي عمرو الداني لأن المقصود هو عدم كتابة الحركة السابقة والاكتفاء بعلامة الإشمام أو الاختلاس. وإلى هذا القول ذهب الشارح التنسي، وذهب من المتأخرين الشيخ الضباع، وعلى هذا جرى ضبطهم المصاحف حيث اعتبر لا خلاف بين أبي داوود والداني.
أقول – محمد يوسف - : في هذا الكلام نظر كبير! لأن أبا داوود قد صرح بمخالفته لشيخه الداني، فقال : (وأنا أخالفه في هذا الباب، وأختار ترك الضبط؛ لأنه لا يستطيع أحد أن يتلفظ بها مخفاة ولا مختلسة حتى يأخذ ذلك مشافهة من الشيخ في رياضة وتفهم، إذن فلا معنى لضبطهن، لأنه لا يوقف على حقيقة اللفظ بها إلا بالمشافهة من فم المقرئ دون الخط) ا.هـ
فكيف يجمعون هذا الجمع مع هذا النص؟
هذا علاوة على بعد مرادهم وأنه متكلف؛ لأنهم يقولون إن المراد هو الحركة السابقة أي الفتحة أو الكسرة، وهذا بعيد جدا، لأنه يلزم منه أن يقول الداني بوضع الحركة التامة التي هي الفتحة والكسرة وبوضع نقطة الإشمام أو الاختلاس معها، أي أنه يجمع بين الحركتين التامة والناقصة!
ولكن لا بأس أن يقال إن العمل في ضبط الإشمام والاختلاس هو بتقديم قول أبي عمرو الداني على قول أبي داوود في مسألة اختلفوا فيها، أي على غير المعهود من تقديم قول أبي داوود على قول شيخه الداني.
وأنبه إلى أن هذا النقط الآن هو بذات لون نقط الإعجام الذي هو لون الحروف ولكنه يتميز بكبره وثخانته واستدارته الواضحة، وإنما كانوا قديما يميزون لونه حتى لا يختلط بنقط الإعجام – نقط الحروف – ولكنه الآن متميز بغير اللون.
ونقط الإشمام يختلف في الموضع عن نقط الاختلاس؛ إذ نقط الإشمام يكون أمام الحرف، تنبيها على الإشمام بالضم الذي مكانه في نقط أبي الأسود الدؤلي هو أمام الحرف.
19 - الإمالة وضعت لها كذلك علامة النقطة التي هي كنقط الإعجام في الشكل دون اللون، وهو الآن كذلك متميز بما ذكرته في نقط الإشمام والاختلاس. وهناك قول آخر بتعرية الحرف وتركه للتلقي من أفواه المقرئين كما هو مذهب أبي داوود، ولكن أبا داوود لم يتكلم على نقط الإمالة، ولكن يمكن معرف مذهبه فيه بمعرفة مذهبه في نقط الإشمام والاختلاس، حيث الصورة قريبة والعلة متحدة.
وأما ما يمال وقفا فقط دون الوصل فالصواب ضبطه بفتحة لا بإمالة لإجماعهم على أن الضبط مبني على الوصل دون الوقف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق