بقلم / راعي المصحف
محمـــد يوسف رشيـــد
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، لك الحمد ربنا كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، نحمدك ربنا لانحصي ثناء عليك؛ أنت كما أثنيت على نفسك ، وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
وبعد...
فربما كان حالنا مع القرآن - نحن المسلمين المعاصرين – لا يحتاج إلى كبير توضيح، فهو حال يظهر للمسلمين ولغير المسلمين على السواء؛ إن أي إنسان غربي أو أي إنسان غير مسلم، إذا قرأ القرآن ففهمه أو قرأ ترجمته ثم نظر في حال المسلمين، فإنه يستطيع أن يجزم من لحظته بمخالفة المسلمين لقرآنهم، وبأنهم لا يتخذونه دستورا تقوم عليه كافة فعاليات حياتهم، فهذا أمر جلي وواضح لا يحتاج إلى بيان.
إنما الذي يحتاج منا إلى بيان هو أن ليس كل المسلمين في عصرنا تنعزل حياتهم عن القرآن نتيجة لضعف الإيمان والرغبة في عدم التقيد بالكتاب العظيم! .. فهناك أعداد كبيرة جدا من المسلمين تكون ديانتهم ورغباتهم جاهزة لاستقبال أحكام القرآن بحيث يحيون به، ويكون لهم نورا يمشون به في الناس. وإنما الذي يحول بينهم وبين ذلك موانع أخرى ليست هي الرغبة عنه والزهد فيه.
وإن هذه الأسباب التي تمنع هذه الفئة من المسلمين من العيش بالقرآن، هي موضوع هذا الكتاب الذي بين يديك.
إنني لا أتناول في هذا الكتاب الصغير قضية عقيدية أو إيمانية أو دعوية، بحيث تتعلق بالرغبة في القرآن أو الرغبة عنه، أو تتعلق بقناعة المسلمين تجاه تطبيقه في حياتهم؛ إنني في هذا الكتاب أخاطب شرائح خاصة من المسلمين خطابا موجها، وهم شريحة المؤمنين الجادين في فهم القرآن وتطبيقه في حياتهم، ولكن تحول دون ذلك موانع خاصة ، فتبدو حياتهم في ظاهرها خالية من نور القرآن كحياة من يرفضون القرآن سواء بسواء!
إنه لما أكرمني الله تعالى بالانشغال بالقرآن العظيم، وبمسؤولية تفهيمه للناس والعناية بالعلاقات الفكرية والذهنية بينهم وبينه، وقفت بالتأمل على أسباب خمسة منعت المخلصين من فهم القرآن، وبزيادة التأمل ما استطعت - حتى هذه اللحظة - أن أقف على أسباب غير تلك الخمسة، فأية صورة هي تعود في النهاية إلى سبب من هذه الأسباب :
السبب الأول ، وأسميته : التقديس الذاتي للقرآن.
السبب الثاني ، وأسميته : فضل القراءة المجردة للقرآن.
السبب الثالث ، وأسميته : التأثر الذاتي بألفاظ القرآن.
السبب الرابع ، وأسميته : طغيان مبدأ التخصص.
السبب الخامس ، وأسميته : عدم الوعي بأسلوب القرآن.
وإنه قد تبدو عناوين هذه الأسباب غير واضحة حتى تلك اللحظة، وهذا لا مشكلة فيه الآن إن شاء الله، فالمهم أن نفهم ما يأتي من محتويات هذه الأسباب، فإن فهمنا المحتويات استطعنا – بتوفيق الله تعالى ومشيئته – أن نستعمل هذه العناوين استعمالا جيدا، حيث نتذكر بها المحتوى والموضوع، ونحدث بها الناس، وأن نستعين بالله تعالى في بيان هذه الأسباب وكيفية إزالتها، مستهدفين من ذلك أن نزيل العوائق بين المسلمين المخلصين وبين قرآنهم، بعد إزالتها بيننا نحن أنفسنا وبين قرآننا.
وأخيرا، فقد وددت لو نبهت إخواننا الدعاة إلى أمر هو في الغاية من الخطورة، فأقول لهم: إن موقف الناس تجاه القرآن ليس هو ثنائي القسمة كما جرت حساباتكم، بحيث يكون الناس إما محبا للقرآن يحيا به ويطبقه في حياته، وإما يكون مهملا له غير عابئ به ولا يوقره. بل هناك من الناس أعداد كبيرة تشكل قسما ثالثا؛ وهم الذين يقدرون القرآن ويرغبون إلى أن تكون حياتهم قائمة عليه، ولكن تمنعهم من الموانع الخمسة أو بعضها. وهذا القسم من الناس هم من أوجه إليهم هذا الكتاب الصغير، وهم في الحقيقة ليسوا قليلين، بل هم كثيرون جدا، ربما يشكلون شريحة كبيرة من جماهير المسلمين.
لابد من الإقرار بوجود تلك الفئة، ولابد من مراعاتها حين دعوتها أو حين الرغبة في ممارسة الإصلاح معها؛ لأنه لا يليق بنا أن ندعوهم على أساس كونهم مناوئين للقرآن راغبين عنه.
والحمد لله رب العلمين، والصلاة والسلام على أشرف النبيين والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق