السبت، 12 مارس 2011

الموانع الخمسة/ االمانع الثاني : فضل القراءة المجردة للقرآن



المانع الثاني
فضل القراءة المجردة للقرآن
   هل يقرأ الإنسان كتابا وهو لا يفهمه ويكون مقتنعا مسرورا بقراءته؟!
   هذا لا يكون أبدا، خاصة إذا عرفنا أن عملية القراءة هي عملية مملة نوعا ما، وتحتاج إلى صبر، إلا في كتاب واحد... هو القرآن !
   القرآن هو الكتاب الوحيد الذي يكون المسلم مسرورا وهو يقرأ فيه حتى وإن لم يفهم معاني الكلمات التي يقرأها! ومن أسباب ذلك أن المسلم يعلم أنه يؤجر على مجرد القراءة للقرآن، فالقراءة المجردة هي عبادة مستقلة بذاتها. فالقرآن وحي من الله تعالى يتميز عن الوحي الثاني - وهو السنة - بعدة ميزات منها أنه (متعبد بتلاوته)  أي أن المؤمنين يتعبدون بتلاوة القرآن الكريم داخل الصلاة وخارجها، وهذا لا يتحقق للوحي الثاني الذي هو الأحاديث النبوية الشريفة لأن نصوصها ليست من الله، وإنما هي من تعبير النبي صلى الله عليه وسلم، وحتى الأحاديث القدسية التي يبلغها النبي هي ليست كالقرآن، فنحن لا نتعبد بتلاوتها كما نتعبد بالقرآن.
   والأصل الأعظم الذي يبنى عليه المسلمون هذا المفهوم هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَن قرأ حرفاً مِن كتاب الله فله به حسنة ، والحسنة بعشر أمثالها ، لا أقول الم  حرف، ولكن ألِف حرف، ولامٌ حرف، وميمٌ حرف) [رواه الترمذي وصححه]
   والتعبد بتلاوة القرآن هو أمر جيد وإيجابي في حد ذاته، تماما كما أن تقديس القرآن أمر إيجابي وضروري للمسلم، ولكن المشكلة هي في تصرف المسلم تجاه ذلك.
   إن اطمئنان المسلم إلى حصوله على الأجر بمجرد التلاوة جعلته يتباطأ أو يتكاسل عن تدبر معاني القرآن، لأنه يقرأ وهو  يعلم أن عداد الحسنات لا يتوقف.. فهو يقرأ ويقرأ ويقرأ ليزيد حسناته، وفي خضم كل ذلك ينسى القارئ موضوع التدبر وأنه كذلك مطلوب منه، بل هو أولى.
   يذكر لي أحد الإخوان أنه جرب ختم القرآن عدة مرات في رمضان، ولكن ذلك أثّر لديه على مساحة التدبر، فقرر أن يقرأه في رمضان مرة واحدة – فيما أذكر - ولكن بتدبر وتفكر في الآيات، فيقول إنه قد شعر في البداية بعدم الرضا عن نفسه ، حيث هبط عنده مستوى الاجتهاد في تلاوة القرآن في ذلك الشهر العظيم، ولكنه يخبرني كذلك أنه حينما ختم في رمضان ختمة واحدة بالتدبر، شعر بفارق عظيم جدا في فهم القرآن وتدبره، وكان راضيا عن ذلك الإجراء .
   وهذا لا يعني أبدا أننا ننصح بتلاوة القرآن مرة واحدة في رمضان؛ فهي مجرد تجربة شخصية يعكس بها صاحبها مفهوما عظيما هو ضرورة وجود التدبر والتفكر أثناء قراءة القرآن، وهذه الأمور تختلف من شخص إلى آخر، فربما كان هناك من يقرأ ختمة أو ختمتين أو ثلاث ختمات في رمضان، وهو يتدبر ويتعمق في معاني القرآن، ويخرج منه بقرارات جذرية تغير الكثير من فعاليات حياته، وهناك من يقرأ بضع آيات فقط في اليوم كله ولا يتدبر منها إلا القليل.. فالمهم هو التدبر، وكلما  قرأ الإنسان كثيرا مع التدبر والتفكر كان جامعا بين الحسنين.
   إن المشكلة هي أن الإنسان يتخذ من القرآن مجرد قراءة صوتية يأخذ عليها الحسنات الكثيرة، فيتكاسل عن الاجتهاد في الفهم والتدبر.

   العلاج :
   اعلم، أخي المسلم، أن الله تعالى لم يذم الكفار على عدم تلاوة القرآن! وإنما ذمهم على عدم تدبره ..
   (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) [محمد:24]
   (أفلا يتدبرون القرآن، ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) [النساء:82]
   وهذا يدلك على أن التدبر هو الواجب الذي يسبق التعبد بالتلاوة، لماذا؟
   لأن التدبر هو الطريق المؤدي إلى حصول الإيمان في القلب والإيمان هو شرط صحة الأعمال، فلا تصح أية عبادة دون تحقق الإيمان أولا، ومجرد قراءة القرآن لا قيمة لها إذا وقعت من غير المؤمن، فالله تعالى يقول (..ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخر من الخاسرين) [المائدة:5]
   والطريق إلى الإيمان هو التفكر والتدبر بالعقل أولا، وهو ما دلنا عليه القرآن، بل هو من أغراض نزول القرآن.. تأمل هذه الآيات :
   (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت، وإلى السماء كيف رفعت، وإلى الجبال كيف نصبت، وإلى الأرض كيف سطحت) [الغاشية:17-20]
   (أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون) [الأعراف:185]
   (أفلم ينظروا إلى السماء فوفهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج، والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج، تبصرة وذكرى لكل عبد منيب) [ق:6-8]
   ومثلها كثير جدا في القرآن..
   فالتدبر بالعقل عموما هو طريق حصول الإيمان، وتدبر القرآن وما يشير إليه القرآن من الكون هو غرض رئيسي لإنزاله، ويستمر هذا التدبر والتفكر في كلام الإله الذي أنزل القرآن حتى بعد حصول الإيمان بسبب التدبر الأول.
   وما تلاوة القرآن والأجر عليها بعد ذلك إلا عبادة من العبادات التي يدفع إليها هذا الإيمان الذي  قد حصل بالتدبر. (فكر جيدا في هذه العلاقة المهمة، فالقراءة هي عبادة من العبادات التي تحصل بالإيمان، والإيمان لا يكون إلا بالتدبر أولا).
   إننا لا نقول لك لا تتعبد بالقرآن، فذلك ليس هو العلاج الذي نقدمه، بل إننا ندفعك دفعا إلى الإكثار من التلاوة، ولكن عليك أن تقرأ بتدبر وتفكر، وعليك أن تعرف معاني الكلمات القرآنية وأنت تقرأ..
   لا تترك الآية تمر عليك وأنت لا تفهمها..
   وحتى لو كنت تفهم أغلب معاني الآية واستشكلت عليك كلمة واحدة، فعليك أن تفتح كتاب "كلمات القرآن تفسير وبيان " للشيخ حسنين مخلوف رحمه الله، وأن تفهم معنى الكلمة، ثم عليك أن تعيد قراءة الآية مرة أخرى بعد أن فهمت معنى الكلمة.
   وإذا اضطررت أن تقلل مقدار ما تقرأ في اليوم الواحد أو في الورد القرآني نتيجة التدبر وقراءة المعاني والتفاسير لأنها تأخذ من الوقت، فلا مانع من ذلك، قم بتقليل الكمية المقروءة في مقابل أن تتدبر وتتفكر وتعرف معاني القرآن.. فلكل شيء ضريبة.. وإن الأجر الذي ترجوه من القراءة المجردة تجني أضعافه إن شاء الله من العمل في حياتك كلها بما يفتح الله عليك من فهم القرآن العظيم.
   فالعلاج إذا لهذا السبب هو أن تعلم أن التدبر هو المقصود الأول والرئيسي للقرآن، وأن القرآن الكريم ليس فقط ألفاظا كريمة بل هو كذلك معاني عظيمة، وهذه المعاني العظيمة هي من الله رب الأرض والسموات، وقد وضعها في هذه الألفاظ، فنحن أثناء القراءة نتلقى المعاني العظيمة لنعمل بها في حياتنا ونؤجر كذلك مباشرة على الألفاظ الكريمة التي هي كلام الله العظيم المتعال.
ومن اقتصر على جمال الترتيل ، فاته خير التأويل ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق